البابا فرنسيس: المسيح هو مستقبلنا (المونسنيور د. بيوس قاشا)

في البدء…

وكونوا شهوداً لنبوءة الإنجيل عبر الصلاة… هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في اليوم الثاني من زيارته إلى المجر في 29 نيسان 2023 حيث التقى الأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والعاملين الرعويين.

     روح العالم

            أمام هذا العنوان الشجاع قال قداسته: نريد أن نشهد أن المسيح هو مستقبلنا رغم متغيرات وتحولات عصرنا. فمع المسيح وفي المسيح نجد أفضل طرق لمواجهة التحديات الرعوية إذ لا شيء خارج الرب يسوع ولا شيء بعيد عنه. وهذا جداً ممكن، أضاف قداسته، إذا رأينا أن المسيح هو مستقبلنا، فهو الألف والياء وهو القدير (رؤ8:1) والبداية والنهاية، كما أنه الأساس والهدف النهائي لتاريخ البشرية والأول والأخير (رؤ17:1). فالمسيح هو مركز التاريخ رغم العواصف التي تعصف بعالمنا أحياناً وإلى التغييرات السريعة والمستمرة في المجتمع، فبه تكون حياتنا راسخة وبين يديه بالرغم من كل ضعف يصيبها، ولكن إن نسينا ذلك نحن الرعاة والعلمانيون سنبحث عن وسائل وأدوات بشرية للدفاع عن أنفسنا إذ سننغلق في واحاتنا الدينية المريحة والهادئة وسنتأقلم مع رياح الدنيا المتقلّبة ولن نكون بعدُ ملح الأرض، لذلك قال قداسته: علينا العودة إلى المسيح الذي هو المستقبل كي لا نقع بين رياح الدنيا المتقلّبة وهذا أسوأ ما يمكن أن يحدث للكنيسة بحسب روح العالم. لذا علينا الانتباه وأخذ الحذر دائماً، فالقراءة الكارثية للتاريخ الحالي والذي يغذيه روح الانهزامية في الذين يكررون أن قد ضاع كل شيء ولم تبقَ قيم كما كان في أيام زمان ولا نعرف ماذا ستكون النهاية… هنا تكمن روح العالم.

     مَثَل التينة

            وقد استشهد قداسته بالأب ساندرو (أحد آباء المجر) كيف حرّره الله من الانهزامية إذ أصبح يعتقد أن كل شيء في النهاية يسير على ما يرام. ولنعلم أن الإنجيل يعطينا عيوناً جديدة ونِعَماً لتمييز روح النبوءة. وتوقف قداسته في كلمته عند مَثَل التينة كما في مرقس (28:13-29) إذ قال: هناك أناس معجبون بحجارة الهيكل الجميلة وتكيّفوا مع الأفكار والعقلية السائدة وحسب روح العالم لأنهم كانوا يرون فخامة الهيكل الظاهرة للعيون. وهذا جعل يسوع يعلّمهم قائلاً: لن يبقى حجر على حجر. ولكي لا يدفعهم إلى الإحباط قال: إن الهيكل من صنع البشر لذلك ستحدث أشياء مخيفة وسيكون اضطهادات شديدة حينئذٍ يروا الناس ابن الإنسان آتياً على غمام فدعاهم إلى أخذ العبرة من التينة فقال: إذا رأيتم ذلك فاعلموا أن ابن الإنسان قريب على الأبواب (28-29). في ذلك نفهم، قال قداسته، إنها دعوة لنا لكي نقبل الزمن الذي نعيش فيه ونكون أشجاراً مثمرة رغم تغيراته وتحدياته، حينذاك سنرى يسوع يقترب منا ويدعونا إلى زرع كلمة الإنجيل في عالم اليوم ونقطع معه أعضاء الشر. ولنرحب بزماننا ترحيباً نبوياً وهذا يعني أن نتعرف على علامات حضور الله في الواقع، وهذه العلامات تأتينا بطابع التحدي. فالزمان يدعونا إلى أن نفسر كل شيء على ضوء الإنجيل ولا ندع روح العالم تتغلب علينا بل نبشر بالنبوءة المسيحية وليس بالتصلب والانغلاق على الذات لأن روح النبوءة تجعلنا مدافعين من أجل الحوار مع الإنجيل عبر طرق ولقاءات جديدة كما يؤكد قداسة البابا بندكتس السادس عشر بقوله في لقاء مع الكاثوليك الملتزمين في الكنيسة والمجتمع في أيلول 2011: إن حضور العلمنة المختلفة ساعدت الكنيسة لأنها “ساهمت بشكل أساسي في تطهيرها وإصلاحها الداخلي فكانت العلمنة تعني في كل مرة تحريراً عميقاً للكنيسة من كل شكل من أشكال روح العالم” لذا علينا الالتزام بالحوار وهذا يتطلب منّا أن نكون حاضرين وشاهدين لكي نعرف كيف نصغي إلى أسئلة وتحديات الزمان دون خوف. فمقتضيات الرعية والحياة الرعوية عديدة والمهم أن يشعر الجميع بالمسؤولية المشتركة عبر الصلاة لأن الإجابات لا تأتينا إلاّ من الرب يسوع وليس من العالم، ومن بيت القربان وليس من الكومبيوتر.

            وفي كلمته، قال قداسة البابا فرنسيس بأنه لا يكفي أن نكرر الماضي بل أن تشكّل الرعية على أرض الواقع وفي البحث عن الطرق الممكنة وكل حسب موهبته من أجل الإنجيل ومن أجل نقل الإيمان إلى الأجيال الشابة. فلننتبه، فلا يمكن أن نأتي بثمر إذا كنا منقسمين أو بعيدين عن بعضنا البعض أو متصلبين في مواقفنا فلا يجوز أن نكون ألعوبة في يد العدو إذ لا يجوز أن نرى الأساقفة منفصلين بعضهم عن بعض، والكهنة في حالة التوتر مع الأسقف، والكهنة كبار السنّ مع الكهنة الشباب، وكذلك بين الطوائف المختلفة بسبب قضايا كنسية وسياسية واجتماعية، بل علينا العمل كفريق واحد. إذ العمل الرعوي يتطلب شهادة للشركة لأن الله شركة وهو حاضر حيث توجد المحبة لذلك يجب العمل معاً والتغلب على الانقسامات البشرية ولنملأ أنفسنا في روح الإنجيل عبر الصلاة الأمينة في السجود والإصغاء إلى كلمة الله في الإنجيل. إن ذلك كنز كبير فلا نضيعه من أيدينا بسبب سعينا وراء أمور ثانوية.

            وقبل ختام كلمته، دعا قداسة البابا الحاضرين إلى الانتباه من الثرثرة والقيل والقال، فهذا يعني التحطم وهي طريق للدمار. والمطلوب منا هو العيش بقداسة في هذا الزمن وليس الثرثرة. وأعطيكم علاجاً جيداً ضد الثرثرة هو الصلاة والعلاج الثاني هو إغلاق الفم.

            وختم قداسته كلمته للأساقفة والكهنة والحاضرين قائلاً: انظروا برأفة ورحمة لتكونوا شهوداً للإيمان. ولا تحملوا في داخلكم حقداً ولكن كونوا رعاة صالحين وقدّموا لشعب الله المقدس وجه الآب، ولا تحكموا لا بالطرد بل شجعوا ولا تنتقموا ولا تثرثروا بل تقاسموا حتى أرديتكم. وأوصيكم أن تبشروا بالإنجيل كي تكون الكنيسة قادرة على الإصغاء المتبادل وتستقبل الجميع وبشجاعتها توصل نبوءة الإنجيل إلى كل واحد. فالمسيح هو مستقبلنا وهو سيحكم التاريخ لأنه سيد هذا التاريخ. فاحملوا إيماناً راسخاً بهذه الحقيقة عبر الصلاة لأن التاريخ والمستقبل يعتمدان على هذا، نعم على الصلاة.

شاهد أيضاً

لا زلت أعيش ذكريات طفولتي (صباح بلندر)

اقترب اليوم عمري من سن الشيخوخة وأنا دائم التفكير كيف قضيت سنوات من عمري بدءاً …